فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}.
قوله تعالى: {سُبْحَانَ}: قد تقدَّم الكلامُ عليه مستوفى أول البقرة، وأَسْرى وسَرَى لغتان، وقد تقدَّم الكلام عليهما في سورة هود، وأن بعضَهم خَصَّ {أَسْرى} بالليل. قال الزمخشري هنا: فإن قلتَ: الإِسراءُ لا يكون إلا ليلًا فما معنى ذِكْرِ الليلِ؟ قلت: أراد بقوله: {ليلًا} بلفظ التنكيرِ تقليلَ مدةِ الإِسراءِ، وأنه أُسْرِي به في بعضِ الليلِ من مكةَ إلى الشام مسيرةََ أربعين ليلةً؛ وذلك: أنَّ التنكيرَ دلَّ على البعضية، ويَشْهد لذلك قراءةُ عبدِ الله وحذيفة {من الليل}، أي: بعضه كقوله: {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء: 79]. انتهى. فيكون سَرى وأسْرى كسَقَى وأَسْقى والهمزةُ ليست للتعديةِ، وإنما المُعَدَّى الباءُ في {بعبده}، وقد تقدَّم أنها لا تَقْتضي مصاحبةَ الفاعلِ للمفعول عند الجمهور، في البقرة خلافًا للمبرد.
وزعم ابنُ عطية أنَّ مفعولَ {أَسْرى} محذوف، وأنَّ التعديةَ بالهمزة فقال: ويَظْهر أنَّ {أَسْرى} مُعَدَّاةٌ بالهمزةِ إلى مفعولٍ محذوف، أي: أَسْرى الملائكةُ بعبدِه، لأنه يَقْلَقُ أَنْ يُسْنَد {أسرى} وهو بمعنى سرى إلى الله تعالى؛ إذ هو فعلٌ يقتضي النَّقْلة كمشى وجرى وأحضر وانتقل، فلا يَحْسُنُ إسنادُ شيءٍ من هذا مع وجودِ مَنْدوحةٍ عنه، فإذا وقع في الشريعة شيءٌُ من ذلك تَأَوَّلْناه نحو: «أَتَيْتُه هَرْوَلة».
قلت: وهذا كلُّه إنما بناه اعتقادًا على أن التعديةَ بالباء تَقتضي مصاحبةَ الفاعلِ للمفعول في ذلك، وقد تقدَّم الردُّ على هذا المذهبِ في أول البقرة في قوله: {وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} [الآية: 20]. ثم جَوزَّ أن يكونَ {أَسْرى} بمعنى سَرَى على حَذْفِ مضافٍ كقولِه: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17]، يعني فيكون التقدير: الذي أَسْرَى ملائكتُه بعبدِه، والحاملُ له على ذلك ما تقدَّم من اعتقاد المصاحبة.
قوله: {لَيْلًا} منصوب على الظرف، وقد تقدَّم فائدةُ تنكيرِه، و{من المسجد} لابتداء الغاية.
قوله: {حولَه} فيه وجهان، أظهرُهما: أنه منصوبٌ على الظرف، وقد تقدَّم تحقيقُ القولِ فيه أولَ البقرة، والثاني: أنه مفعولٌ. قال أبو البقاء: أي: طَيَّبْنا ونَمَّيْنا. يعني ضَمَّنه معنى ما يتعدَّى بنفسه، وفيه نظرٌ لأنه لا يَتَصَرَّف.
قوله: {لِنُرِيَه} قرأ العامَّة بنونِ العظمة جَرْيًا على {بارَكْنا}، وفيهما التفاتان: مِنَ الغَيْبة في قوله: {الذي أسرى بِعَبْدِهِ} إلى التكلُّم في {بارَكْنا} و{لِنُرِيَه}، ثم التفتَ إلى الغَيْبَة في قوله: {إنه هو} إن أَعَدْنا الضميرَ على اللهِ تعالى وهو الصحيحُ، ففي الكلام التفاتان.
وقرأ الحسن {لِيُرِيَه} بالياء مِنْ تحتُ أي الله تعالى، وعلى هذه القراءةِ يكون في هذه الآية أربعةُ التفاتات: وذلك أنَّه التفت أولًا من الغَيْبة في قوله: {الذي أسرى بِعَبْدِهِ} إلى التكلم في قوله: {بارَكْنا}، ثم التفت ثانيًا من التكلمِ في {بارَكْنا} إلى الغيبة في {لِيُرِيَه} على هذه القراءة، ثم التفت بالياء من هذه الغَيْبة إلى التكلم في {آياتنا}، ثم التفت رابعًا من هذا التكلمِ إلى الغيبة في قوله: {إنه هو} على الصحيح في الضميرِ أنَّه لله، وأمَّا على قولٍ نقله أبو البقاء أن الضمير في {إنه هو} للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلا يجيءُ ذلك، ويكون في قراءة العامَّةِ التفاتٌ واحدٌ، وفي قراءة الحسنِ ثلاثةٌ، وهذا موضعٌ غريبٌ، وأكثرُ ما وَرَدَ الالتفاتُ فيه ثلاثُ مرات على ما قال الزمخشري في قولِ امرئ القيس:
تطاوَلَ ليلُكَ بالإِثْمِدِ

الأبيات.
وقد تقدَّم النزاعُ معه في ذلك، وبعضُ ما يُجاب به عنه أولَ الفاتحة.
ولو ادَّعى مُدَّعٍ أنَّ فيها خمسةَ التفاتات لاحتاج في دَفْعِه إلى دليلٍ واضحٍ، والخامس: الالتفاتُ مِنْ {إنَّه هو} إلى التكلم في قوله: {وَآتَيْنَآ مُوسَى} الآية.
والرؤيةُ هنا بَصَريةٌ، وقيل: قلبية وإليه نحا ابن عطية، فإنه قال: ويُحْتمل أَنْ يريد: لِنُرِيَ محمدًا للناس آيةً، أي: يكون النبي صلى الله عليه وسلم آيةً في أَنْ يصنعَ اللهُ ببشرٍ هذا الصنعَ فتكونُ الرؤيةُ قلبيةً على هذا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى وتقدس: {بسم الله الرحمن الرحيم} كلمة ما سمعها عابد إلا شكر عصمته، وما سمعها سالك إلا وجد رحمته، وما تحققها عارف إلا تعطر قبله بنسيم قربته، وما شهدها موحد إلا تقطر دمه لخوف فرقته.
قوله جل ذكره:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
افتتح السورةَ بِذِكْرِ الثناء على نَفْسه فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي} [الإسراء: 1]: الحقُّ سبَّحَ نَفْسَه بعزيزِ خطابِه، وأخبر عن استحقاقه لجلال قَدْرِه، وعن توحُّده بعلوِّ نُعُوتِه.
ولمَّا أراد أَنْ يَعْرفَ العبِادُ خَصَّ به رسولَه صلى الله عليه وسلم ليلةَ المعراجِ من عُلوٍّ ما رقَّاه إليه، وعِظَمِ ما لَقَّاه به أَزالَ الأعُجوبةَ بقوله: {أَسْرَى}، ونفى عن نبيِّه خَطَرَ الإعجاب بقوله: {بِعَبْدِهِ}؛ لأَنَّ مَنْ عَرَفَ ألوهيته، واستحقاقَه لكمالِ العِزِّ فلا يُتَعَجَّبُ منه أن يفعل ما يفعل، ومَنْ عرف عبوديةَ نَفْسِه، وأَنَّه لا يَمْلِكُ شيئًا من أمره فلا يُعْجَبُ بحاله. فالآية أوضحت شيئين اثنين: نَفَى التعجَّبِ من إظهارِ فِعْلِ اللَّهِ عزَّ وجل، ونفَى الإعجاب في وصف رسول الله عليه السلام.
ويقال أخبر عن موسى عليه السلام- حين أكرمه بإسماعه كلامه من غير واسطة- فقال: {وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 143]، وأخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وليس مَنْ جاءَ بنفْسِه كمنْ أَسْرَى به ربُّه، فهذا مُحتَمَلٌ وهذا محمول، هذا بنعت الفَرْقِ وهذا بوصف الجمع، هذا مُرِيدٌ وهذا مُرَادٌ.
ويقال جعل المعراجَ بالليل عند غَفْلَةِ الرُّقَبَاءِ وغَيْبَةِ الأجانب، ومن غير ميعاد، ومن غير تقديم أُهْبَةٍ واستعداد، كما قيل:
ويقال جعل المعراجَ بالليل ليُظْهرَ تصديقَ مَنْ صَدَّقَ، وتكذيبَ مَنْ تعجَّب وكَذَّّبَ أو أنكر وجحد.
ويقال لما كان تعبُّدهُ صلى الله عليه وسلم وتهجُّدُه بالليل جَعَلَ الحقُّ سبحانه المعراجَ بالليلِ.
ويقال:
ليلةُ الوَصْلِ أَصْفَى ** من شهور ودهور سواها

ويقال أرسله الحقُّ سبحانه ليبتعلَّم أهلُ الأرضِ منه العبادة، ثم رَقَّاه إلى السماءِ ليتعلَّمَ الملائكةُ منه آدابَ العبادة، قال تعالى في وصفه صلى الله عليه وسلم: {مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17]، فما التَفَتَ يمينًا وشمالًا، وما طمع في مقامٍ ولا في إكرام؛ تجرَّد عن كلِّ طلبٍ وأَرَبٍ.
قوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَآتِنَا}: كان تعريفه بالآيات ثم بالصفات ثم كَشّفٌ بالذات، ويقال من الآيات التي أراها له تلك الليلة أنه ليس كمثله سبحانه شيءٌ في جلالهِ وجماله، وعِزِّه وكبريائه، ومجده وسنائه.
ثم أراه من آياته تلك الليلة ما عَرَفَ به صلوات الله عليه- أنه ليس أحدٌ من الخلائق مثْلَه في نبوته ورسالته وعلوِّ حالته وجلال رتبته. اهـ.
كلام نفيس للعلامة الشيخ محمد الغزالي في قصة الإسراء والمعراج.
قال عليه سحائب الرحمة والرضوان:
الإسراء والمعراج يقصد بالإسراء الرحلة العجيبة التى بدأت من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، ويقصد بالمعراج، ما عقب هذه الرحلة من ارتفاع في طباق السموات حتى الوصول إلى مستوى تنقطع عنده علوم الخلائق ولا يعرف كنهه أحد، ثم الأوبة- بعد ذلك- إلى المسجد الحرام بمكة، وقد أشار القرآن الكريم إلى كلتا الرحلتين في سورتين مختلفتين، وذكر قصة الإسراء وحكمته بقوله: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} [الإسراء:1].
وذكر قصة المعراج وثمرته بقوله: {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 13- 18]. فتعليل الإسراء- كما نصت الآية- أن الله يريد أن يرى عبده بعض آياته. ثم أوضحت آيات المعراج، أن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد- بالفعل- بعض هذه الآيات الكبرى، وقد اختلف العلماء- من قديم- أكان هذا السرى الخارق بالروح وحده، أم بالروح والجسد جميعا؟ والجمهور على القول الأخير، وللدكتور هيكل رأى غريب فقد اعتبره استجماعا ذهنيا ونفسيا لوحدة الوجود من الأزل إلى الأبد في فترة من فترات التألق النفسانى الفذ، الذي اختص به بشر نقى جليل مثل محمد صلى الله عليه وسلم، وفى إبان هذا التألق الذي استعلى به على كل شىء، استعرض حقائق الدين والدنيا، وشاهد صور الثواب والعقاب.. إلخ. فالإسراء حق.، وهو- عنده- روحى لا مادى، ولكنه في اليقظة لا في المنام، فليس رؤيا صادقة كما يرى البعض، بل هو حقيقة واقعة على النحو الذي صوره، ثم قال فيه بعدئذ: وليس يستطيع هذا السمو إلا قوة فوق ما تعرف الطبائع الإنسانية، والحق.. أن الحدود بين القوى الروحية والقوى المادية، أخذت تضمحل وتزول، وأن ما يراه الناس ميسورا في عالم الروح ليس يستوعر في عالم المادة، وأحسب أنه بعد ما مزق العلم من أستار عن أسرار الوجود، فإن أمر المادة أضحى كأمر الروح، لا يعرف مداه إلا قيوم السموات والأرض، وإن الإنسان ليقف مشدوها، عندما يعلم أن الذرة تمثل في داخلها نظام المجموعة الشمسية الدوارة في الفلك، صمانها- وهى هباءة تافهة- تكمن فيها حرارة هائلة، عندما أطلقت، أحرقت الأخضر واليابس. إن الرسول صلى الله عليه وسلم أسرى به وعرج، كيف؟ هل ركب آلة تسير بأقصى من سرعة الصوت كما اخترع الناس أخيرا؟ لقد امتطى البراق- وهو كائن يضع خطوه عند أقصى طرفه، كأنه يمشى بسرعة الضوء، وكلمة براق يشير اشتقاقها إلى البرق، أي أن قوة الكهرباء سخرت في هذه الرحلة. لكن الجسم- في حالته المعتادة- يتعذر عليه النقل في الآفاق بسرعة البرق الخاطف، لابد من إعداد خاص، يحصن أجهزته ومسامه لهذا السفر البعيد، وأحسب أن ما روى عن شق الصدر، وغسل القلب وحشوه، إنما هو رمز هذا الإعداد المحتوم، وقصة الإسراء والمعراج مشحونة بهذه الرموز، ذات الدلالة التى تدق على السذج. إن الإسراء والمعراج، وقعا للرسول صلى الله عليه وسلم بشخصه في طور بلغ الروح فيه قمة الإشراق وخفت فيه كثافة الجسد حتى تفصَّى من أغلب القوانين التى تحكمه، واستكناه حقيقة هذه الرحلة، وتتبع مراحلها بالوصف الدقيق، مرتبط بإدراك العقل الإنسانى لحقيقة المادة والروح وما أودع الله فيهما من قوى وخصائص، ولذلك سنتجاوز هذا البحث إلى ما هو أيسر وأجدى، أي إلى تسجيل المعالم المتصلة بالإسلام باعتباره رسالة عامة وتشاريع محددة، وقصة الإسراء والمعراج، تهمنا من هذه الناحية. ألم تر أن علم النفس لم يستبحر وينطلق إلا يوم تحرر من البحث في الروح والخبط في مدلولها؟ * ** * لماذا كانت الرحلة إلى بيت المقدس، ولم تبدأ من المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى مباشرة؟ إن هذا يرجع بنا إلى تاريخ قديم. فقد ظلت النبوات دهورا طوالا، وهى وقف على بني إسرائيل، وظل بيت المقدس مهبط الوحي، ومشرق أنواره على الأرض وقصبة الوطن المحبب إلى شعب الله المختار. فلما أهدر اليهود كرامة الوحى وأسقطوا أحكام السماء، حلت بهم لعنة الله، وتقرر تحويل النبوة عنهم إلى الأبد! ومن ثم كان مجىء الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم انتقالا بالقيادة الروحية في العالم، من أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد، ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل، وقد كان غضب اليهود مشتعلا لهذا التحول مما دعاهم إلى المسارعة بإنكاره: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب}. لكن إرادة الله مضت وحملت الأمة الجديدة رسالتها وورث النبى العربي تعاليم إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب، وقام يكافح لنشرها وجمع الناس عليها؟ فكان من وصل الحاضر بالماضى وإدماج الكل في حقيقة واحدة: أن يعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين في الإسلام وأن ينتقل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في إسرائه فيكون هذا الانتقال احتراما للإيمان الذي درج- قديما- في رحابه.
ثم يجمع الله المرسلين السابقين من حملة الهداية في هذه الأرض وما حولها ليستقبلوا. صاحب الرسالة الخاتمة. إن النبوات يصدق بعضها بعضا ويمهد السابق منها للاحق، وقد أخذ الله الميثاق على أنبياء بني إسرائيل بذلك: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} وفى السنة الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بإخوانه الأنبياء ركعتين في المسجد الأقصى، فكانت هذه الإمامة إقرارا مبينا بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، أخذت تمامها على يد محمد بعد أن وطأ لها العباد الصالحون من رسل الله الأولين، والكشف عن منزلة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه، ليس مدحا يساق في حفل تكريم، بل هو بيان حقيقة مقررة في عالم الهداية، منذ تولت السماء إرشاد الأرض، ولكنه جاء في إبانه المناسب. فإن جهاد الدعوة الذي حمله محمد صلى الله عليه وسلم على كواهله، عرضه لعواصف عاتية من البغضاء والافتراء، ومزق شمل أتباعه، فما ذاقوا- مذ آمنوا به- راحة الركون إلى الأهل والمال، وكان آخر العهد بمشاق الدعوة، طرد ثقيف له، ثم دخوله البلد الحرام في جوار مشرك. إن هوانه على الناس، منذ دعاهم إلى الله، جعله يجأر إلى رب الناس شاكيا راجيا. فمن تطمين الله له، ومن نعمائه عليه أن يهئ له هذه الرحلة السماوية لتمس فؤاده المعنى ببرد الراحة وليشعر أنه بعين الله، منذ قام يوحده ويعبده، ويعلم البشر توحيده وعبادته. كان يقول: «إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى» فالليلة علم أن حظه من رضوان الله جزيل، وأن مكانته بين المصطفين الأخيار، موطدة مقدمة. إن الإسراء والمعراج يقعان قريبا من منتصف فترة الرسالة التى مكثت ثلاثة وعشرين عاما، وبذلك كانا علاجا مسح متاعب الماضى، ووضع بذور النجاح للمستقبل. إن رؤية طرف من آيات الله الكبرى في ملكوت السموات والأرض له أثره الحاسم في توهين كيد الكافرين وتصغير جموعهم ومعرفة عقباهم، وقد عرف محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة أن رسالته ستنساح في الأرض وتتوطن الأودية الخصبة في النيل والفرات وتنزع هذه البقاع من مجوسية الفرس وتثليث الروم.